المشهد الأخير

 

 

 

بقلم د. محمد زارع

dr_moh_zaree2002@hotmail.com

  

يبدو أننا قد وصلنا إلى المشهد الأخير من المسرحية المأساوية التي ظل عرضها مستمرا لمدة ربع قرن من الزمان .. تنوعت فيها أساليب القهر والاستبداد .. وتعددت أشكال الظلم والطغيان .. واختفت مظاهر الفرحة والبهجة .. وحلت الكآبة .. وغاب الأمل .. وخيم الظلام .. وساد الخراب..

هذه هي أبرز سمات حكم مبارك الذي استمر طوال خمسة وعشرين عاما يفسد وينهب ويكذب ويغتال الأجساد والأحلام.. ويهلك الحرث والنسل .. لكن النهاية أوشكت .. والنظام يلفظ أنفاسه الأخيرة .. رغم طول فترة الاحتضار .. ولأن رائحة هذا النظام كريهة منتنة .. فالكل ينفر منه ويبتعد .. حتى أنصاره الذين عاشوا أعمارهم يدافعون عنه أخذوا يفرون ويهربون .. إما رغبا في استرضاء الشعب .. أو رهبا من غضبه ونقمته .. فقد أصبح الانتساب إلى هذا النظام سبة يخشاها كل عاقل .. وعارا يتجنبه الأسوياء .. ولم يعد يمشي في ركابه إلا لص ضالع في الإجرام أو مخدوع أبله لا يميز الغث من الثمين

.. ولعل علامات السقوط الوشيك أصبحت واضحة لكل مراقب .. حيث باتت الفوضى هي الحاكمة .. وانعدمت الضوابط .. وأصبح كل واحد يتصرف في موقعه كما يحلو له .. لا مراقبة أو محاسبة .. فالسلطة مشغولة بملاحقة القضاة والمحامين والصحفيين والمدرسين والمهندسين والأطباء والسياسيين والشباب والرجال والنساء وكل فئات الشعب .. لا تستثني أحدا .. والمفسدون الكبار لا يكترثون بانتشار الأمراض والأوبئة الاجتماعية مثل الرشوة والمحسوبية والاستغلال والاحتكار .. والأزمات الدائمة والكوارث المتلاحقة وانفلات الأخلاق والرذيلة .. بل يحبون ذلك ويشجعونه .. لأنهم لا يستطيعون العيش أو البقاء إلا في هذه الأجواء العفنة .. ويحبون دائما أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا .. ولا تناسبهم حياة الطهر والنقاء والفضيلة

.. والسلطة في مصر لا يعنيها سوى حماية شخص الحاكم وأفراد عائلته فقط .. أما أمن الشعب المصري فهو مستباح .. والأجهزة الأمنية تحشد حشودها لضرب المتظاهرين وقمع المعارضين والاعتداء على الشرفاء .. أما المعتدون الذين يخترقون الحواجز ويعبرون الحدود وينتهكون المحارم ويروعون الآمنين ويقتلون الأبرياء فلا يستحقون الاهتمام

.. هذا الوضع المقلوب من أهم علامات المشهد الأخير الذي نعيشه .. وستسقط قريبا كل الأقنعة .. وتنكشف السوءات .. وتنخفض رؤوس وترتفع هامات .. وستنحسر الغيوم .. وتسطع شمس الحقيقة .. وتعود البسمة إلى شفاه الأطفال المحرومين والأرامل والمقهورين والمستضعفين

.. وسينعم أهل مصر بعدالة عابت عنهم كثيرا .. وافتقدوها طويلا