البكاء على أطلال منظمة التحرير الفلسطينية!!
بقلم :ياسر الزعاترة
لم تكن حركة المقاومة الإسلامية حماس هي التي همشت منظمة التحرير
الفلسطينية أو وضعتها على رفوف النسيان، فمن فعلوا ذلك هم أنفسهم الذين يبكون
اليوم على أطلالها، ويرون أن حماس ستهيل التراب على
الإنجاز الأكبر للفلسطينيين منذ الاحتلال.
لا يحتاج المراقب إلى قدر كبير من الذكاء كي يدرك أن حملة البكاء على منظمة
التحرير لا صلة لها البتة بكونها منجزاً وطنياً يوحد الفلسطينيين في الداخل
والخارج، بقدر ما هي لعبة للمناكفة مع خصم سياسي حاز على ثقة الناس على نحو لم
يتوقعه الجميع. ولو فازت حركة فتح في الانتخابات لما تذكر أحد هذا الملف، ولواصلت
السلطة الفلسطينية دورها الذي لعبته منذ تأسيسها عام 1994 بوصفها الممثل الحقيقي
للفلسطينيين.
من المؤكد أن حماس، وعلى رغم فوزها في الانتخابات، ليست حريصة بحال من
الأحوال على تهميش منظمة التحرير أو إحالة دورها للسلطة الفلسطينية، وعلى من يشكك
في ذلك أن يتذكر أن حماس لم تسع إلى الفوز الذي تحقق ولم تتوقعه، ولو توقعته
لأدارت العملية على نحو مختلف.
على أن ذلك لا يعني أن حماس ستعترف بهذه البساطة بأن منظمة التحرير هي
الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، إذ كيف لحركة تدرك تمام الإدراك أنها تمثل
نصف الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج أن تعترف بكيان سياسي هي ليست عضواً فيه،
ومعها حركة الجهاد الإسلامي بوصفه الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين. ألا يعني
ذلك أنها تلغي نفسها، هكذا بكل بساطة، وتمنح قرار الشعب
الفلسطيني لأناس تختلف معهم في النهج والرؤية؟
في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير التي اجتمعت لتفرض على حماس نفي نفسها
من المعادلة السياسية، ثمة أعضاء يمثلون فصائل انقرضت من الوجود، وثمة أعضاء
يمثلون ثلاثة فصائل حازت متحالفة على مقعدين في المجلس التشريعي كان لممثليها في
التنفيذية قصب السبق في ساحة الجدل مع حماس حول موقفها.
حماس كما أعلن قادتها على استعداد كامل للاعتراف بمنظمة التحرير ممثلاً
شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، ولكن على قاعدة الإبقاء على مسؤولية الدول
العربية والإسلامية، إضافة إلى التوافق على مبدأ إعادة التشكيل الذي يأخذ في
الاعتبار جملة من المعطيات بالغة الأهمية.
أول المعطيات التي تستدعي إعادة التشكيل هي الخريطة السياسة الجديدة للشعب
الفلسطيني في الداخل والخارج، ذلك أن القسمة الحالية لم تعد تمثل الواقع، لسبب
بسيط هو أن حماس والجهاد ليستا جزءاً منها، فيما تراجع صوت اليسار على نحو واضح خلال
العقدين الماضيين.
لا يمكن لأي تشكيل يمنح حماس والجهاد أقل من نصف أعضاء المجلس الوطني
واللجنة التنفيذية أن يكون عادلاً بحال من الأحوال، ومن يرى غير ذلك لا يكون
حريصاً على الوحدة أو إعادة التشكيل، مع أن الأخذ والعطاء في هذا المقام يبقى
ممكناً من أجل التوافق.
الجانب الآخر الذي يستدعي إعادة التشكيل هو ذلك المتعلق بما طرأ على أسس
المنظمة من تغييرات منذ نشأتها إلى الآن، فقد تأسست من أجل تحرير الأراضي المحتلة
عام 48، وإذ بها بعد أقل من عقدين تتنازل عما أنشئت من
أجل تحريره وتتحدث عن تحرير الذي احتل بعد تأسيسها. وفي أي حال فإن تجربة
التنازلات والتفاوض منذ عقود ما زالت تلح على إعادة التشكيل، لاسيما بعد أن افتضحت
لعبة المفاوضات في كامب ديفيد عام .2000.
يجب أن تعود للمنظمة أبجدياتها الأساسية، وإذا لم يكن بالإمكان الحديث عن
تحرير المحتل عام 48، فلا أقل من وضع برنامج تحرير للمحتل عام 67 بغير وسيلة
الاستجداء، ومن دون قيود أو شروط تكبل الأجيال، وأقله بالحديث عن تطبيق قرارات
الشرعية الدولية من دون قيد أو شرط.
ثمة بعد أساسي يزيد في أهمية إعادة التشكيل يتعلق بتوحيد فلسطينيي الداخل
والخارج بعد افتراقهم طوال الوقت، فعندما كانت قيادة المنظمة في الخارج كان الداخل
مهمشاً، وعندما عادت القيادة إلى الداخل همش الخارج، بل
جرى تغييبه عملياً من خلال الموافقة الضمنية على شطب حق العودة كما في أوسلو وسواه
من المعاهدات أو الوثائق اللاحقة (جنيف مثالاً).
في ضوء ذلك كله يمكن الحديث عن إعادة تشكيل لمنظمة
التحرير تأخذ ذلك كله في الاعتبار، أما مطالبة حماس بالاعتراف بها
ضمن صيغتها الحالية فلا يمكن أن يكون مقبولاً بحال من الأحوال.
وقد كان لافتاً أن يطالب بعضهم حركة حماس بالاعتراف بما يسمى وثيقة
الاستقلال، لكأن فلسطين أو الجزء المحتل عام 67 كان
مستعمراً وأعلن عن استقلاله بالوثيقة إياها التي لم تغير في المسار السياسي شيئاً،
بل إن أوسلو كان في حقيقته تخلياً عن الكثير من بنودها.
أما الذي لا يقل أهمية فهو تضمين بيان اللجنة التنفيذية مطالبة لحماس برفض
خطة أولمرت للانفصال أحادي الجانب من الضفة الغربية، لكأنها اعترفت بها أو في وارد
التعامل معها بوصفها خطة سياسية قابلة للتفاهم كما فعلوا هم بتنسيق الانسحاب من
قطاع غزة، وتوقيع اتفاق معبر رفح سيء الذكر.
لقد آن الأوان لكي يقف قادة حركة فتح وقفة جادة أمام أنفسهم وأمام شعبهم كي
يعيدوا القضية إلى مسارها الصحيح، أما أن يواصلوا لعبة المناكفة والإفشال لحركة
حماس لكأنهم في دولة مستقلة ذات سيادة فهو ما لن يرضى
به الفلسطينيون ولن يزيد فتح إلا خسارة فوق خسارتها الانتخابية.