ميثاق أممي لحرية التعبير
بقلم :نور الدين عاشور
تتواصل ردود الفعل
المنددة في العالم الإسلامي بما نشرته صحف أوروبية من رسوم كاريكاتورية مسيئة
للرسول وبالتوازي معها تتعدد «الاجتهادات» في البلدان الغربية عموما حول حرية
التعبير وتنحو كلها منحى التبرير مقدسة إياها وضاربة
عرض الحائط بمقدسات أكثر من مليار من البشر..
ولكن بعد كل ردود
الفعل والمظاهرات والمقاطعات التجارية لا ينبغي التوقف عند هذا الحد ولا ينبغي أن
تقف القضية عند إقالة مدير صحيفة أو رئيس
تحرير أو اعتذار رسمي يغلب عليه طابع التردد ولا يعكس قناعات صاحبه ولا حتى اقتناعه.
فالمجتمع الدولي
اليوم بمختلف مكوناته شعوبا وحكومات ..منظمات وهيئات دولية وإقليمية وغير حكومية
مطالبة بالنظر وبكل موضوعية إلى خطورة ما حصل ومن زوايا مختلفة حتى لا يتكرر ذلك
وحتى يتم ردع كل من يتجاسر على العبث بالمشاعر الدينية وذلك في إطار شرعي وقانوني
مثل منظمة الأمم المتحدة بصياغة مدونة سلوك تتعلق بحرية التعبير تكون بمثابة
المعاهدة الدولية تجرم الإساءة باسم حرية التعبير إلى أي دين بأي شكل من الأشكال
ولتعد الانتهاكات للمشاعر الدينية شكلا من أشكال العنصرية وجريمة ضد الإنسانية.
لقد أخطأت الأمم
المتحدة حينما ألغت اعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية لأن جرائم عديدة أقترفت باسم الصهيونية وبالتالي كان إلغاؤها مؤشرا على ترك
إسرائيل تفعل ما تشاء وأثبتت تطورات الأحداث في فلسطين صحة ذلك ولم يتجرأ أحد على
القول أن القرار الأممي قبل إلغائه يعني انتهاكا لحرية
التعبير.
ولا بد من وضع ضوابط
منطقية لحرية التعبير حتى لا ترتكب باسمها جرائم وبأشكال مختلفة ولكي لا يفقد هذا
المبدأ قيمته الفلسفية والحضارية والعملية وتصبح ممارسته إبرازا للعناصر النبيلة
فيه وليس للثلب والتهجم وتعمد الإساءة،، لذلك يتحمل
المجتمع الدولي والنخب المدافعة عن مبدإ حرية التعبير
مسؤولية إفراغه من معانيه السامية.
وإذا كان الغرب تكبله
عقدة ما حصل أثناء النازية من جرائم ضد الإنسانية لتضع بعض دوله قوانين تحد من بعض
مجالات البحث العلمي الأكاديمي وتحذر من معاداة السامية ليتردد رجال السياسة
والإعلام والمثقفون في توجيه أي انتقاد لإسرائيل فذلك شأنهم لأن إبادة اليهود حصلت
على أرض أوروبية وفي ظل حضارة تلتقي في الجذوراليهودية
والمسيحية بل إن الكنيسة لم تحرك ساكنا أثناء محنة اليهود والشعوب الأخرى التي
حاول هتلر استهداف وجودها،، ولكن،،
.. لا يعقل أن تتحول
حرية التعبير إلى ما يشبه مادة الصلصال لتتخذ بين أصابع معينة أشكالا تفرضها على
الرأي العام العالمي كيفما شاءت ومتى شاءت.. وما يخشاه
المرء أن تكون هناك محاولات لتقسيم العالم بين «متحضرين» و«برابرة» وهي مفاهيم
قديمة تعمقت في سياقات معينة وفي فترات تاريخية محددة بفعل الحروب الصليبية
وتراكماتها في النفوس والعقليات.
إن العالم في أمس الحاجة إلى تفادي الوقوع في
أخطاء ترتكب عن جهل بإصدار ميثاق دولي يحمي الديانات وأتباعها من الإهانات والإساءة المتعمدة..أليس
هذا كلاما منطقيا ولا يعني رفضا لحرية التعبير بقدر ما يطلب حمايتها من أهواء
النفوس المريضة وذوي الغايات المشبوهة خصوصا في سياق تطورات سياسية معينة.. فما دمنا نعيش في عالم واحد فإن التعايش قدر
البشرية ولكن في ظل الاحترام المتبادل وهذا ليس أمرا طوباويا.