في طريق الدعوة فوائد المحن
بقلم :: محمد العبدة
اللهم إنا لا نتطلبها
، ونقول سنصبر عليها أو نحن مستعدون لها ، فلا يجوز لمسلم أن يعرض نفسه للفتنة وقد
لا يصبر عليها ، أو يضع نفسه موضع الذل والهوان ، أو موضع المتسلط عليه من الكفار
، فنصبح فتنة للذين كفروا ، ولكن إذا تعرض المسلم للمصائب والمحن بقدر من الله
ولحكمة يريدها الله ، فلابد أن يصبر ويتقي الله ، وبعدها يؤتي الله نصره من يشاء ،
وعندما يتعرض المسلمون للمحن والرزايا فلاشك أن في ذلك فوائد كثيرة يريدها الله ،
كتمحيص الصفوف ومعرفة الصابرين المجاهدين ، والدخلاء الذين هم غثاء كغثاء السيل .
وللإمام عز الدين
محمد بن عبد السلام - رحمه الله - لفتات طيبة في هذا الموضوع ،
ننقلها بطولها لأهميتها ، قال : وللمصائب والمحن فوائد تختلف باختلاف رتب الناس :
أحدها : معرفة عز
الربوبية وقهرها .
الثاني : معرفة ذل
العبودية وكسرها ، وإليه الإشارة يقول تعالى : [ الَذِينَ إذَا أَصَابَتْهُم
مُّصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ]، اعترفوا بأنهم
ملكه وعبيده ، وأنهم راجعون إلى حكمه وتدبيره ، لا مفر لهم منه ولا محيد لهم عنه .
الثالثة
: الإخلاص لله تعالى ،
إذ لا مرجع في رفع الشدائد إلا إليه : [ وإن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا
كَاشِفَ لَهُ إلاَّ هُوَ ].
الرابعة
: التضرع والدعاء : [ وإذَا
مَسَّ الإنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا ].
الخامسة : تمحيصها
للذنوب والخطايا : « ولا يصيب المؤمن وصب ولا نصب حتى الهم يهمه
والشوكة يشاكها إلا كفر به عن سيئاته » رواه مسلم .
السادسة : ما في طيها
من الفوائد الخفية : [ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً ويَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ
خَيْراً كَثِيراً ]، ولما أخذ الجبار سارة من إبراهيم - عليه السلام - كان في طي
تلك البلية أن أخدمها هاجر ، فولدت إسماعيل لإبراهيم - عليهما السلام - ، فكان من
ذرية إسماعيل خاتم النبيين ، فأعظم بذلك من خير كان في طى
تلك البلية .
السابعة
: إن المصائب والشدائد
تمنع من الأشر والبطر والفخر والخيلاء والتكبر والتجبر . ولهذه الفوائد الجليلة
كان أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، كالذين أخرجوا من ديارهم
وأموالهم ، وتغربوا عن أوطانهم ، وتكاثر أعداؤهم ، ولم يشبع سيد الأولين من خبز
مرتين ، وأوذي بأنواع الأذية ، وابتلي في آخر الأمر بمسيلمة وطليحة والعنسي ، قال -
عليه الصلاة والسلام - : « مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تفيئها الريح تصرعها
مرة وتعدلها مرة حتى تهيج » .
الثامنة : الرضا
الموجب لرضوان الله تعالى ، فإن المصائب تنزل بالبر والفاجر ، فمن سخطها فله السخط
ومن رضيها فله الرضا ) اهـ .
ونحن نسأل الله تعالى أن يمكن للمسلمين بعد المحن
والرزايا وأن يستفيد المسلمون الدروس الكبيرة من هذه المحن