"الفخ" في صراع الحضارات

 

 

 

فاطمة بن عبد الله الكراي

 

في حركة لولبية ومتصاعدة، اتخذت مسألة نشر الصحف الأوروبية لصور ورسوم تسيء للنبي ص، منعرجا خطيرا، ليس أقلّه أن هناك من يدفع باتجاه تأجيج صراع مفتعل وفخّ مهيإ سلفا، من دعاة صراع الحضارات، أسوة بما كان «بشّر» به جزافا المفكر الامريكي «صموئيل هنتنغتون» في كتابه «صراع الحضارات»، الذي نشره منذ عشرية ونصف.

 

وعندما نتفحّص في نسق العملية، عملية النشر التي تردّ تباعا من عاصمة أوروبية الى أخرى تحت تعلّة حرية التعبير، نعي تماما ان في الأمر حثّا نحو مخطط أو فخ، أفصح عنه وحذّر منه وزير الخارجية الاسباني، ميغل موراتينوس، حين دعا أمس الأول العالم الغربي الى عدم الوقوع في فخّ من أسماهم دعاة حرب الحضارات.

 

لكن عندما نستعرض وسائل الاعلام التي نشرت ولا تزال تعيد النشر، والبلدان التي تنتمي اليها، نجد طرفا حاضرا غائبا في المشهد، وهو الطرف الامريكي.

 

اذ أن التعلة التي تتخذها العواصم الغربية وصحفها الكبرى التي نشرت او هي اعادت نشر الرسوم المشار اليها، هي حرية التعبير. في حين أن الصحافة الأمريكية لم تنخرط الى حدّ هذه اللحظة في هذا الجدل، الذي أريد له أن يكون في ميدان العرب والمسلمين، وبوسائل الغرب من الأوروبيين.

 

هنا يطرح سؤال الحيرة نفسه: من هو الطرف أو الأطراف التي لها مصلحة، كي تشتعل النار بين الشرق والغرب، وتحديدا بين أوروبا والعالم الاسلامي المتاخم لها جغرافيا، والساكن بين ظهرانيها من خلال ملايين المسلمين الذين يعيشون في قلب أوروبا.

 

لقد تسارعت الأحداث بدرجة لم يعد معها ممكن التحاور بالفكرة، والفعل أضحى فيه الكثير من الاستفزاز وردّ الفعل صار مغمورا بالمشاعر والأحاسيس، وهنا لبّ المشكل. اذ أن التاريخ علّمنا، أن مسّ مقدسات أو محرّمات مجموعة بشرية ما، من شأنه أن يؤجج المشاعر ويجعل المجموعة في حلّ من أي حوار.

 

الملفت في كل هذا الذي حدث من ردّة فعل شعبية غاضبة، أنها لا تعني مفهوم الصراع في شيء وهي كذلك لا تعني مفهوم الحوار في شيء أيضا.

 

عندما نتفحص جيدا هذه الاحداث المستجدة على الساحتين الأوروبية والعربية الاسلامية، لابد أيضا وأن نتساءل عن معاني عدة منها: ما معنى هذا التوقيت وما علاقة تلك الرسوم المشينة والمسيئة لمشاعر المسلمين، بأحداث العالم اليوم، من حروب واحتلال وهيمنة، وهي أحداث تجعل من العربي والمسلم يقع عليه فعلها في حين من أصدرت صحفه ووسائل اعلامه تلك الرسوم، هي الاطراف التي تتحرك وتقوم بتلك الأفعال منها الاستعمار والسيطرة على مقدرات الغير...

 

ما أشار اليه الوزير الاسباني، كفيل بأن يفتّح أعين الكثيرين ممن اتخذوا من المسألة مجرّد ردّ فعل متخلف من أمة كفّ عطاؤها للحضارة الانسانية منذ زمن.

 

إنه الفخّ الذي سارع عدد من الغربيين الوقوع فيه، في حين أن المسألة تتجاوز كونها حرية رأي تمسّ حرية المعتقد وقدسية المقدس للمسلمين قاطبة، وكما شدد وزير الخارجية الاسبانية، فالوضع العالمي لا يحتمل صراعا حضاريا، وأنه على الغرب ان يعمل على خفض التوتر... لان الوضع كما نعلم جميعا متوتر لأسباب يعرف الغربيون جيدا أنها خارجة عن نطاق الاعتداء بالصورة او بالكلمة ضد العرب والمسلمين، لتتعداها الى مشهد مشحون بالغضب جراء الهيمنة الاقتصادية والغزو العسكري وسفك دماء الاستقلال الوطني.

 

ما هو مطلوب من الغرب اليوم، هو التعامل بمسؤولية تجاه أحداث فيها فخاخ للجميع... فلا العرب والمسلمون طلاّب صراع حضاري، ولا هم أيضا جادلوا الغرب في مقدّساته وحريته الفكرية وحرية التعبير في بلدانهم...

 

إنّ تحذير موراتينوس جاء في وقته، لأن الغضب والاستفزاز بدآ يسريان كالنار في الهشيم، في حين ان التريّث والانتباه الى ما يحمله فخّ صراع الحضارات من كوارث على البشر أجمعين، من شأنه أن يجنّب البشرية شرّ البليّة.