التصعيد
الصهيوني.. ماذا وراءه ؟
عبد العزيز
الملا
يبدو أن اللاعبين على
ساحة القضية الفلسطينية لم يعودوا يطيقون تحمل مشاركة حماس في لعبتهم فهم يستعجلون
إخراجها قبل أن تغير قوانين اللعبة كلها وقبل أن يتعود الشعب الفلسطيني على لغة
جديدة في العمل السياسي والخطاب الإعلامي وقبل أن يتقرر في ذهن الشعب الفلسطيني والشعوب
المحيطة والمجاورة أن الإسلاميين يملكون بالفعل مشروعاً وأنه قابل للتطبيق العملي
وأنهم - الإسلاميين - إذا قالوا صدقوا وأنهم الأكفأ والأضمن أن يؤتمنوا على حقوق
الأمة وثوابتها ومكتسباتها. أما كيف برز ذلك فيمكن رصده من خلال التناغم في الأداء
السياسي للأنظمة الرسمية مع الضغوط الخارجية بما يتجاوز أن يكون مجرد استجابة لإملاءات الطغيان الأمريكي وحلفاء العدو على طرف مهيض ضعيف هو
الأنظمة إلى أن يكون موقف عام وموحد واستراتيجي يجمع كل خصوم المشروع الإسلامي ضد
حماس ابتداء وفي وجه المشروع الإسلامي كله انتهاء.
يبقى السؤال المهم هو
كيف سيخرجونها من لعبتهم؟ وهل ما يقوم به محمود عباس
رئيس السلطة من ترحيل بعض صلاحيات وزارة حماس للرئاسة وترحيل ما تبقى منها لمنظمة
التحرير التي ينفخون فيها اليوم بعد أن أماتوها وجعلوها هم أنفسهم رميما باسم
الإصلاح وهل مطالباته لحماس بالتعقل ومراعاة مصالح شعبها تأتي في نفس السياق؟ وهل
ما يقوم به العدو مباشرة من استفزاز لحماس من قتل وقصف يومي وتصعيد غير مبرر
والهدف الأساسي هو أن تقوم حماس بالرد مما يعطيه الغطاء السياسي للقيام بعملية
أمنية واسعة ضدها تشمل اعتقال نوابها في التشريعي ووزراءها في السلطة ويفتح المجال
أمام عباس لتشكيل حكومة طوارئ تنهي تجربة حماس بشكل منطقي وقانوني تتقاسم مسؤوليته
مع الاحتلال فقط ويبدو فيه عباس كمن يفاجأ بتوالي الأحداث ويركب المصاعب ويتنقل
بين الاضطرارات.
وهل الضغوط الخارجية وسياسة التجويع مع الصمت (أو
لنقل التآمر) العربي والذي انضمت له الأمم المتحدة يأتيان كزاوية ثالثة تحكم
الخناق وتقفل المثلث على حماس لتعجزها عن تحقيق شيء من الإنجاز فيما يعتبرونه
الأيام القليلة المتبقية قبل الانقلاب على حماس؟
أقول إنه قد صار
جديراً بحماس والفصائل الفلسطينية- المحترمة- أن تتصرف بمبدئية ودون الغرق في
التكتيك وأن تبقى العيون على الحقائق والثوابت وأن تسمي الأشياء بأسمائها من غير
تأخير (وأن تقول للأعور أعوراً في عينه) بدون مجاملات فالمدى يتناقص والخناق يستحكم، وأرى أن لغة التوفيق مع محمود عباس لم تعد أولوية وأن
ترفع في وجهه شعار الإصلاح وأن تذكر الجماهير بما كان يقوله لاقتطاع سلطات
وصلاحيات عرفات وأن تبرز أوجه تكامل سياساته مع الضغوط الخارجية ولا تسمح له
بادعاء الحرص على الديمقراطية في حين أن الحقيقة غير ذلك ومطلوب من حماس تهيئة
الرأي العام الفلسطيني والعربي لخروجها من لعبة السلطة وأن عباس وفتح يتحملان
مسؤولية أولى في ذلك كل هذا من جهة ومن الجهة الأخرى أن تسابقه - أي عباس - لتعيينات
تقلل من تحكمه في رقبة القضية.
وأما على صعيد ما على
حماس أن تفعله تجاه جرائم العدو فهو ألا تعطيه المبرر لضربها ولو خالفت بهذا
المنحى قواعدها التنظيمية ورأي الشارع ولكنها جولة يغلب عليها طابع المكر السياسي
ولا تكسب في ظل اختلال الموازين إلا ببعض الدهاء والإغضاء، أما بعد إخراجها من
السلطة فاتجاهات العمل وأدواته تعرفها حماس ولن يكون حالها في أسوأ الظروف بأسوأ
مما كانت عليه قبل انتخابات التشريعي.
وأما على صعيد مقاومة
التجويع والعزل فلابد - كما أرى - من أن تفعل حماس وأنصارها ومِن ورائهم الحركات
الإسلامية وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمون بامتداداتهم الشعبية لجمع التبرعات
وهذا يوم الشد فاشتدي زيم والخير في هذه الأمة إلى يوم
الدين ومن قال هلك المسلمون فهو أهلكهم كما ويجب البناء على المبادرات والمواقف
الفذة كموقف سمو الأمير حفظه الله تعالى وأمين عام الجامعة العربية جزاه الله
خيراً.
ختاما فإن على حماس
وكل المخلصين معها والمتخوفين عليها أن يتذكروا دائماً أن الهجرة لله تعالى وأن
السلطة وكل السلطات ما هي إلا وسيلة لتحقيق الأهداف الكبيرة، وأنه إذا حيل دون
الأهداف الكبيرة فالله تعالى هو مالك الملك وله تعالى في خلقه شؤون، وأن ذلك لا عن
عجز - وحاشاه - ولكن لحكمة نؤمن بها وإن لم ندركها
أحياناً.