القبطان .. والدفة
بقلم : محسن
نديم
على
المستوى الشخصي , عندما
أهِمُّ بالقيام برحلة طويلة بالسيارة فإنني أتأكد اولا
من حالة السيارة , الكفرات ومنها الإحتياطي ( الإستبن ) ,
والفرامل , ومستوى وحالة الزيت , وماء الرادياتير , وأذهب
للميكانيكي للإطمئنان على حالة ( البوجيهات
) وغيرها من العناصر الأخرى التي تؤكد لى الحالة العامة
الفنية للسيارة بأنها جاهزة ( 100% ) للقيام بالرحلة الطويلة , وهذا ما نُطلق عليه
الأخذ بالأسباب أولاً ,, أما ما قد يحدث بعد ذلك في الطريق من مفاجآت أو حوادث "
لا قدَّر الله " بسبب الغير فهذا مانُطلق عليه
مجازا " القضاء والقدر "
. هذا ,, وكما ذكرت على المستوى الشخصي والسيارة التي تسير على الأرض ! ,,,,, فما
بالك " بعبّارة " تمخر عُباب البحر , فى رحلة
طويلة لاتقل عن 10 ساعات , حاملة معها مئآت من البشر , وأطنان من الحقائب وهي بين السماء والماء !!
.
هذا ماتبادر الى ذهني عند قراءة "
المفاجآت المذهلة التي كشفت عنها المعلومات المسجلة في الصندوق الأسود للعبارة
المنكوبة السلام 98 " ,,, إن الأسباب الفنية المذكورة في هذا التقرير يشير – وبكل
ثقة – بأصابع الإتهام الى "
منظومة الفساد " التي توغلت , وتأصلت , وتشعبت , وتمحورت , وتمادت في الجسد
الواهن المستكين أو المُغيَّب للدولاب الإداري , والتشريعي , والتنفيذي , والرقابي
لوطن عزيز وغالي , وأرض طيبة طاهرة بما
عليها من أُناس يحملون نفس المواصفات ,, هذا الوطن هو " مصر " !! ولك أن تتخيل هذه العبّارة في حجم عمارة سكنية تتحرك على سطح
الماء وعلى كف القدر بدون " دفة " وعليها ما عليها من تجاوزات أخرى
كبراميل الوقود " 20 طن " ,, وعدم قدرة المواتير
والطلمبات الخاصة بتشغيل " الدفة " !! ماهذا
التفسخ الأخلاقي الفني سواء للقبطان , او للشركة المالكة
للعبارة !! وما هذا التفسخ الأخلاقي في متطلبات المهنة للجان التفتيش !؟ إنها
مؤامرة بكل ماتحمله هذه الكلمة من معاني وأسانيد ,, بل
هي نتيجة حتمية , ومُسلَّمةٌ رياضية هندسية لمنظومة الفساد التي سادت وعششت في
أدمغة هؤلاء القتلة عندما وضعوا نُصب أعينهم عامل الربح المادي العائد عليهم من
هذه التجاوزات والمخالفات , أضف الى الربح فرق سعر الوقود بنسبة 30% , بمعنى أن الشركة لم
تترك مجالا إلا وتهبش منه ربحاً زائدا !! إنه والله لعقل إقتصادي
من الدرجة الأولى , ولكنه للأسف على حساب البشر الغلابة الذين يكدون ويكدحون في
بلاد الغربة متحملين كل المصاعب والرزايا , من أجل لقمة عيش شريفة مُغَمّسة
بالمعاناة والقهر أحيانا لكي يؤمّن حياته وحياة اسرته
من تعسفات الزمن الصعب واللفحات الإقتصادية
العاتية التي تُطيح بمستوى المعيشة في مصر , ذلك المغترب الذي ترك وطنه لكي يبحث
عن رزقٍ يسد به متطلبات الحياة المتواضعة من سكن , ومأكل , ودروس خصوصية لأولاده ,
لأنه لايجد ذلك في مصر بمرتب هزيل لايكفي
لسد ابسط الإحتياجات ,,, إذن فالمعادلة معقدة ,, والتفاوت
شاسع " البون " بين هؤلاء
المكافحون في ارض الله الواسعة , وبين آكلي لحوم البشر وهم أحياء !!! وقد صدق من أطلق على مالك عبارات السلام بأنه "
حوت البحر الأحمر " نعم إنه إسم على مُسمّى , لقد إبتلع كل من يقترب الى مياه البحر
الأحمر ليكون هو سيد البحر , وأيضا إبتلع المسئولين على
الأرض الذين ساندوه ودَعّموه ونفخوه ثم نَصّبوه ليكون عضوا من أعضاء مجلس الشورى !!
لكي يتمتع بالحصانة التي هي أكبر المنى لمثل هؤلاء لكي يزدادوا ظلما وطغيانا
وفسادا تحت ستارها , وهنا أكرر السؤال الذي صاح به الأستاذ الصحفي الجرئ / مصطفي بكري ,, منفعلا بشدة : من الذي أدخل مالك
العبارة مجلس الشورى !!!!؟
من الواضح والجلي
تماما أن مصر تمر بمرحلة قاسية من إنتشار الفساد
الإداري والتشريعي والتنفيذي في كل المجالات , ولن تتمكن من رفع رأسها أو وضع
الأمور في نصابها إلا بالقضاء على مسببات هذا الفساد من جذوره , وأن يكون للشرفاء
من أبناء مصر مكان يسمح لهم بتأصيل الشفافية وصحوة الضمير للعمل بمنظومة الأخلاق
في كل المجالات لكي ينتظم المجتمع , وتنتهي بلطجة السياسة , وبلطجة سطوة المال , وبلطجة
التعليم , والصحة , والإقتصاد , والرياضة , وخفافيش
الظلام ,, ولايجب أن ننسى هزيمة 67 أسبابها ونتائجها , أو قطار الصعيد المحترق , أسبابه
ونتائجه , أو صفر المونديال , وحريق قصر ثقافة بني سويف , أو عدم ظهور إحدي الجامعات المصرية في التقرير السنوي العالمي للجامعات , او مصيبة مستشفى القصر العيني الفرنسي , أو حتى بالوعة
المجاري التي إبتلعت طفلة بريئة لا ذنب لها , او تجار المخدرات في ساحة مجلس الشعب , ونواب القروض , ونواب
التجنيد , والإعلام المتسطح والمنبطح الهزيل لتغييب
عقول الناس , وبلطجية الدروس الخصوصية سواء في المدارس او الجامعات , وبلطجية الشوارع من
العاطلين والشمامين والذين لهم صفة رسمية عند الداخلية
في فض المنازعات بعيدا عن عيون القانون لأن القانون عاجز !! وغيرها ,,وغيرها ,,,, وبرغم هذه البانوراما
السوداء فإننا مازلنا على يقين بأن الفجر المشرق قادم , ليس إلا لأنه مازال في مصر
كثير وكثير من الشرفاء الغيورين على مصلحة الوطن , والذين يكشفون يوما بعد يوم عن
كل فاسد مفسد والذين يراعون ضمائرهم ويحفظون دينهم ولكنهم يحتاجون الى المثابرة والدعم , وهذا ما نأمله
في بعض ممن يملكون الأمر حتى ينزاح كابوس الفساد من على صدورنا لكي نتنفس هواء
نقيا يحتوي على كمية كبيرة من الأوزون وليس ثاني اكسيد
الكربون !!