السفير/محمد والي[Protected by-ps.anonymizer.com]

تعقيب على أيمن الظواهري

 

 

بقلم :السفير محمد والي

Abouzahraa@maktoob.com

 

    أذاعت قناة الجزيرة الفضائية يوم 5 مارس/آذار الجاري مقتطفات من شريط مصور للدكتور أيمن الظواهري تحدث فيه عن الأوضاع الراهنة في العالم الإسلامي، وخاصة عن الانتخابات في كل من أفغانستان والعراق ومصر وفلسطين، وانتقد مشاركة الحركات الإسلامية فيها، وقال: إن المهم هو تطبيق الشريعة، وليس مجرد الفوز ببضع مقاعد في المجالس النيابية.

    حاولت من جانبي التعرف على فكر الرجل من خلال كتبه، ولكن مع الأسف لم أوفق للحصول على أي منها حتى الآن. ومع اعترافي بأن الآراء الواردة في الشريط قد وصلتني مبتسرة، فسأحاول التعقيب عليها في حدود ما وصلني، لعل في هذا النقاش شيء من الفائدة.

    بصفة عامة أتفق مع الدكتور الظواهري في عدم تحبيذه لمشاركة الحركات الإسلامية في الانتخابات العامة في هذه المرحلة، ولكني أعترف بخصوصية وضع حماس، ولذلك أستثنيها من هذا الموقف السلبي من الانتخابات لأسباب أرجو أن أوردها تفصيلا.

    بالنسبة للعراق وأفغانستان فهما تحت الاحتلال الأجنبي المباشر، وهنا تكون الانتخابات لغوا لامعنى له؛ لأن الهم الأول لتلك الشعوب هو مقاومة الاحتلال ودحره، وبعدها تجيء الانتخابات، وأفضل كعمل سياسي مكمل للمقاومة المسلحة تكوين حكومات في المنفى في مرحلة ما من مراحل الكفاح المسلح باعتماد مبدأ الشورى المحدود أي الشورى بين المجاهدين أنفسهم، وقد تكون نواة ذلك ما تم الإعلان عنه مؤخرا من وجود مجلس شورى المجاهدين في العراق. أما الانتخابات في ظل حكومة الاحتلال أو الحكومات الورقية التابعة لها فلا خير فيه.

    وأما بالنسبة لمصر؛ فإن الأحزاب التي نشأت بعد انقلاب 1952؛ قد ولدت جميعا ولادة مبتسرة في ظروف غير طبيعية، ولمجرد  الرغبة في إيجاد مساندة شعبية للانقلاب، وباستثناء هيئة التحرير التي نشأت في أعقاب الانقلاب كتجمع للقوى المناضلة ضد الاحتلال الذي كان لا يزال قائما، والتي كان لها قدر من الشعبية مستمد من هدفها النضالي، ولأنه في ذلك الوقت كان لا يزال الوفاق قائما بين الانقلاب العسكري وجماعة الإخوان ذات الجذور الشعبية والتاريخ النضالي في فلسطين ومدن القناة، والتي ساندت الانقلاب في البداية، ثم سرعان ما انقلب عليها؛ فإن جميع الأحزاب والتجمعات السياسية التي ظهرت بعد ذلك كانت عبارة عن منظمات حكومية تمثل نقطة جذب للمنتفعين. فبعد الجلاء أنشأ عبد الناصر الاتحاد القومي، وانضم إليه كل الراغبين في الانتفاع من السلطة، ومع القوانين الاشتراكية عام 1961 تحول الاتحاد القومي إلى الاتحاد الاشتراكي. وحينما تولى السادات السلطة عام 1970 أنشأ المنابر الثلاثة: اليمين والوسط واليسار، وتزعم هو الوسط فانضمت إليه جحافل المنتفعين. ثم مالبثت هذه المنابر أن تحولت إلى أحزاب ثلاثة: هي الأحرار والتجمع وحزب مصر فغادر المنتفعون الوسط إلى حزب الرئيس الذي تبدل اسمه فيما بعد إلى الحزب الوطني. هذا الحزب الوطني في حقيقة الأمر هو مصيدة جذبت النفعيين والمستغلين والفاسدين الذين لا يهمهم من السياسة سوى المال والنفوذ، وكلا الوسيلتين تقود إلى الأخرى؛ فالمال يؤدي إلى النفوذ، والنفوذ يؤدي إلى المال.

    إن جنايات الاستبداد لا تحصى؛ ومن جناياته انهيار القيم والمثل، لما رأى الناس أن الوصول للقوة والسلطة ليس له من وسيلة إلا النفاق استمرؤوه وأتقنوه، وظهرت منذ عصر السادات طبقة جديدة تسمى برجال الأعمال سيطروا على السلطة ووجهوها لتحقيق مآربهم. وهذا من سخريات الأقدار، انقلاب 1952 الذي كان من أهدافه المعلنة القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم انتهى بإحكام هذه السيطرة لابتزاز الشعب المغلوب على أمره، ونهب قوته؛ بل أكثر من ذلك انسدت على الناس أبواب الكسب الحلال، ولم يعد مفتوحا أمامهم إلا الطرق غير المشروعة؛ مثل الدعارة والرشوة والاتجار بالمخدرات، وهذا يفسر اهتمام تجار المخدرات، وغيرهم من المشبوهين بالانضمام إلى الحزب الحاكم، ودخول البرلمان لاستغلال الحصانة البرلمانية في حماية مكاسبهم غير المشروعة، والاستمرار في تجارتهم الآثمة. إن كارثة العبارة الغارقة مؤخرا تعبر أصدق تعبير عن هذه الحالة من الفساد؛ فصاحب العبارة ممدوح إسماعيل عضو معين في مجلس الشورى وأمين الحزب الوطني بمدينة نصر، ومجلس الشورى لم يرفع عنه الحصانة ليحاسبه القضاء؛ لأن النظام بكافة أجهزته أصبح الآن في خدمة الفساد. ومن ثم فإن اشتراك الإخوان في الانتخابات لا خير فيه لأن هؤلاء لن يسمحوا بحال من الأحوال بإجراء انتخابات نزيهة فضلا عن أن الدستور نفسه مفصل بطريقة تمنع تمثيل الشعب تمثيلا صحيحا.

    الاستبداد ليس مجرد فرد، ولكنه ظاهرة؛ فهناك فرد مستبد وحوله مجموعة من المنتفعين، وبطانة السوء يزينون له الباطل من أجل الحصول على بعض المنافع؛ ولو كان الثمن هو الأمة كلها بحاضرها ومستقبلها؛ ولو أن هذا لا يعفي الباقين من المسؤولية. ألم تر كيف وصف المولى سبحانه وتعالى قوم فرعون بأنهم كانوا قوما من الفاسقين ضعاف العقول، وحمَّلهم مسؤولية اسنبداد فرعون )فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ( (54/الزخرف). فقد ادعى فرعون دعوى واضحة البطلان – وهو نفسه لا يمكن أن يصدقها؛ إذ ادعى الألوهية، فأي استخفاف بالعقول أكثر من هذا؟!.

    ومن الأهمية بمكان أيضا أن نُذَكِّر بأن الأحزاب لا تنشأ من أعلى، ولا تصدر بقرار جمهوري. الأحزاب السياسية تعبر عن موقف نخبة من المجتمع سواء أكان هذا الموقف مبني على اعتبارات مصلحية أو عقائدية؛ ويتضمن هذا الموقف تصورا معينا للمستقبل، ومواجهة مع الواقع من أجل تغييره.

    فدخول الإخوان المسلمين الانتخابات في هذه الحالة لا يخدم المشروع الإسلامي في شيء؛ بل يخدم النظام المستبد إذ يساعده على ستر وجهه القبيح بغلالة رقيقة من الديمقراطية الزائفة. وحصول الإخوان مع باقي المعارضين على ربع مقاعد المجلس لن يمكنهم من فعل شيء ذي قيمة بل سوف يكون مجرد دعاية مجانية لنظام استبدادي يريد الظهور بمظهر ديمقراطي. أما الإشراف القضائي على الانتخابات فليس إلا أكذوبة، لأن قانون السلطة القضائية الضامن لاستقلالية القضاء لم يصدر بعد.

    وأما في فلسطين المحتلة فالوضع مختلف؛ فحركة فتح هي حركة مقاومة بالأساس، وقدمت الكثير من الشهداء والجرحى والأسرى، وإن لم تكن مستندة إلى النهج الإسلامي، وحين تولت السلطة تسرب إليها عدد من المنتفعين الباحثين عن المكاسب الشخصية، وهذا أمر معتاد في كل التيارات السياسية، ولذلك استطاعت أن تنظم انتخابات نزيهة، لأنها على كل حال كانت تعبر عن مرحلة من مراحل الكفاح الوطني، شابته بعض الأخطاء نعم؛ لكنها لم تكن أبدا نظاما قمعيا استبداديا ضيق الأفق كما هو الحال في الكثير من البلاد العربية، وهذا أمر طبيعي على كل حال لأن سلطتها كانت محدودة في ظل الاحتلال. والفارق بين فتح وحماس أمران: أولهما أن حماس لم تكن في السلطة، وثانيهما أن حماس اعتمدت النهج الإسلامي.

    لقد سعت إسرائيل إلى استخدام السلطة الفلسطينية لحراستها من المقاومة، وكان على حماس أن تواجه حراب السلطة المدفوعة من إسرائيل، بالإضافة إلى حراب إسرائيل ذاتها، ولذلك فدخولها الانتخابات ووصولها إلى السلطة كان أمرا لابد منه حتى تتفرغ للمقاومة وتضمن ألا يحارب الفلسطينيون بعضا كما أرادت إسرائيل.

    إن عزم أمريكا على حصار حماس، فضلا عن كشسفه لحقيقة الديمقراطية الغربية؛ فإنه يفرض على المسلمين التضامن مع حماس والوقوف خلفها وتنظيم المساعدات اللازمة لاستمرارها ونجاحها، لأن الغالب أن الحكومات العربية سوف تخضع للابتزاز الأمريكي ولن تجرؤ على مساعدة حماس.

    ولعل الدكتور أيمن الظواهري يتفق معي في أن الشرع لا يمانع من الانتخابات غذا توفرت لها الشروط الملائمة، حيث تكون حينئذ تعبيرا عن الرأي العام. ولكننا نحذر فقط من الانجرار إلى عمليات انتخابية ضررها أكثر من نفعها، كما هو الحال في الأقطار المحتلة أو في ظل النظم الاستبدادية إذ أن هذا سيعطي نوعا من الشرعية للاحتلال أو الاستبداد.

    كانت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة منعطفا هاما في تاريخ الإسلام، وبداية لنشأة أول جماعة سياسية إسلامية، وأول دولة للمسلمين بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم. وقبلها في مكة لم يتناول التشريع الإسلامي هذه الأمور بصورة مباشرة؛ لأن المسلمين إذ ذاك لم يكونوا جماعة سياسية؛ وإنما جماعة عقيدية تحكمها بالمجتمع الذي تعيش فيه علاقات؛ تتراوح بين الاستغراب، والجفاء، والتوتر، والعداء.

    ولم تكن نقاط الخلاف والصدام بين الجماعة المسلمة ومجتمعها في مكة مسائل سياسية بشكل مباشر؛ وإنما كانت مسائل عقيدية واجتماعية ذات مفاعيل سياسية لا شك فيها، حتى أن  المشركين تخوفوا من ظهور هذا الدين، ونشأة هذه الجماعة على مستقبل أوضاعهم السياسية. ولذلك لم تشتمل مفردات الدعوة  الإسلامية في هذا العهد على مفردات سياسية صريحة؛ وإنما كانت تقتصر على قضايا العقيدة الكبرى مثل: الألوهية، والتوحيد، والنبوة، والمعاد، كما اشتملت على كثير من قصص الأمم السابقة، وفي ثنايا ذلك إشارات إلى المستقبل، وقد تضمنت هذه الإشارات فكرة المجتمع السياسي والسلطة والحكم؛ منها ما جاء في قوله تعالى: )وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصــــَّالِحُونَ( (105/الأنبياء) ومنها قوله تعالى: )وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون َ(41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ( (41–42/النحل).

    ولما اشتد أذى قريش للمسلمين؛ أَذِن النبي صلى الله عليه وسلم لنفر من ضعفائهم بالهجرة إلى الحبشة؛ إلا أنه لم يكن قد أُذِن للمسلمين إذ ذاك بمجابهة المشركين أو رد العدوان أو الدفاع عن أنفسهم؛ لأنها كادت تمس كل بيت في مكة وكل أسرة؛ ولو حدث ذلك لكانت حربا بين الأب وابنه أو الزوجة وزوجها أو الأخ وأخيه، ولأن احتمال الأذى والصبر على جهل الجاهلين كان السبيل الأفضل لانتشار الدعوة.

    ولكن النواة الأولى للدولة الإسلامية على المستوى التطبيقي تكونت عند انعقاد بيعة العقبة الثانية [1] بين النبي صلى الله عليه وسلم ووفد الأوس والخزرج إلى موسم الحج في مكة قبل أشهر معدودة من هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، بعد أن كانت أعداد من المسلمين المكيين قد هاجرت إليها.

    لقد كانت هذه البيعة حدثا فذا في تاريخ الإسلام، بل وفي تاريخ العالم؛ فقد تأسست سلطة سياسية (بما لهذه الكلمة من معنى مألوف) تحكم مجتمعا سياسيا ملتزما؛ مجتمعا لا يقوم على القبيلة وإنما يقوم على العقيدة. تمثل هذه اللحظة انقطاعا في تقاليد الولاء المطلق للأسرة أو القبيلة أو القوم، وتمثل لحظة ولادة جماعة إنسانية تتوق إلى تأسيس وحدتها الاجتماعية والسياسية على أساس من الالتزام بمبادئ كلية. كانت خطوة كبرى نحو بناء مجتمع ينبذ القومية، ويرفض العنصرية؛ ليستند إلى إيمان عميق  بمبدأ التوحيد الذي يؤكد وحدة المعبود كما يؤكد وحدة العباد. لقد كانت حدثا فريدا تعهد فيه أفراد ينتمون إلى قبيلتين متصارعتين بالتعاون سويا على حماية مهاجر ينتمي إلى قبيلة مغايرة، والدفاع عنه حتى الموت ضد عدوان قبائل العرب بل ضد العالم كله. فقد لاحظ النبي صلى الله عليه وسلم كما لاحظ ممثلو أهل يثرب أن هذا المجتمع وحكومته، سيدخلان في علاقات سياسية وحروب مع قريش وغيرها بسبب مضمونه العقائدي؛ ولذلك سميت هذه البيعة "بيعة الحرب الكبرى".

    وقد أقامت هذه السلطة السياسية على أساس الإسلام، والالتزام به نظاما للحياة والمجتمع. وكانت بيعة العقبة الأولى – قبل ذلك بعام – قد تضمنت إسلام المبايعين من أهل يثرب والتزامهم بنشر الإسلام  بين أهلها. فكانت بذلك الأساس العقائدي للبيعة الثانية، والمدخل إلى تكوين قاعدة أولية للإسلام في يثرب، تولى مبعوث النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير إعدادها مع المبايعين؛ بينما مثلت البيعة الثانية التعبير السياسي التنظيمي لهذا المضمون. وبهذه البيعة الثانية، وما ترتب عليها من قرار بالهجرة إلى المدينة؛ ولد المجتمع السياسي الإسلامي على أساس عقيدي هو الإسلام؛ بما يقتضيه ذلك من التزام بالدعوة إليه، والدفاع عنه وعن قيمه التي يجسدها المنتمون إليه.

    إن يوم العقبة هو دون شك يوم متميز في تاريخ الإنسان، علت فيه آصرة العقيدة على آصرة الدم والنسب، وتغلب فيه مفهوم وحدة الأمة على مفهوم وحدة القوم. فقد ولد هذا المجتمع منذ اللحظة الأولى خارج حدود العرف الجاهلي؛ فقد  حلت المصالحة بين القبائل اليثربية المتحاربة، وعبر القرآن الكريم عن هذا الواقع الجديد بتسمية تعبر عن المضمون العقيدي لها؛ الذي حل محل المضمون القبلي وهي (الأنصار) أي أنصار الإسلام أو أنصار النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اندمجت هذه القبائل بما تحمله من مضمون عقيدي جديد، وعلى أساس هذا المضمون مع المسلمين المكيين الذين يحملون المضمون نفسه، وأعطاهم القرآن اسما عقائديا مشتقا من مضمونهم  العقيدي لا القبلي هو (المهاجرون).

    لقد اندمج الجميع في تكوين عقيدي سياسي مجتمعي واحد؛ مختلف تماما عن تحالفات الجاهلية. وإن كان هذا الاندماج بين هذه المجموعات لم يلغ التنوع القبلي، ولم يتم على حسابه فقد بقيت التنوعات القبلية سائدة ومرعية، ولكن  دون أن تشكل مرجعا، ودون أن يكون عرفها شريعة؛ فقد تحدد المرجع بالنبي صلى الله عليه وسلم وتحددت الشريعة بالإسلام، ولعل هذا هو أول تطبيق لمبدأ "التعارف/التعاون" على البر والتقوى؛ الذي اعتبره الإسلام أساسا في الاجتماع البشري. )يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عليمٌ خَبِيرٌ( (13/الحجرات).

    "ولم تقتصر أهمية بيعة العقبة على تأكيد أولوية الوحدة العقيدية على أي وحدة أو انتماء آخر؛ بل تمتد لتشمل التحول والانقلاب الجذري في الموقف والفعل السياسي، ذلك أن ميثاق العقبة أثبت حقيقة كادت تغيب عن الأذهان؛ وهي أن الرابطة السياسية والاجتماعية بين الأفراد؛ لا تخضع لحتمية تاريخية خارجة عن اختيار أعضاء الجماعة وإرادتهم؛ بل تعتمد على قرارهم واختيارهم؛ فالانتماء إلى مجتمع سياسي معين، والخضوع لنظام سياسي محدد؛ ليس قدرا مرتبطا بلون أو عرق أو لسان أو إقليم؛ بل هو ميثاق يرتبط عبره وخلاله أفراد على أساس من قناعاتهم الذاتية، وإرادتهم الحرة. لقد أسس الأنصار يوم العقبة ميثاقا، وجماعة سياسية تضم أفرادا لا تربطهم سوى رابطة الإيمان، وآصرة العقيدة، وآلوا على أنفسهم حماية رجل غريب عن مجتمعهم القبلي؛ لا تربطهم به صدفة الانتماء إلى أب أو أم؛ بل خيار الاعتصام بحبل العقيدة، واعتناق مبادئ مشتركة.

    "لقد أسس ميثاق العقبة نظاما سياسيا سامقا ومتعاليا في طبيعة روابطه، وأسس بنائه على النظام القبلي الذي ساد في جزيرة العرب قبل مجيء الرسالة، وعلى النظامين الكسروي والقيصري اللذين سادا فارس وبيزنطة قبل انتشار الإسلام؛ بل إن النظام السياسي الذي أسسه الإسلام يتعالى ويتطاول في بنائه وأهدافه على النظام القومي والقطري الذي يسود عالمنا اليوم. فانتماء المرء إلى جماعة إقليمية بناء على خصائصه الطبيعية – التي لا اختيار له فيها – قد يليق بأحياء دون الإنسان مكانة وكرامة؛ ولكنه لا يليق أبدا بكائن راشد عاقل، فالانتماء الوحيد الذي يليق بالكرامة الإنسانية؛ هو الانتماء المرتكز على الفكرة، والعقيدة، وطريقة الحياة".[2]

    وقد شكل النبي صلى الله عليه وسلم أدوات هذه السلطة الوليدة في هذه المرحلة الأولية من تشكيل الدولة بنصب النقباء الإثنى عشر (ثلاثة من الأوس وتسعة من الخزرج). وقد تم اختيارهم من قبل مجموعة الأوس والخزرج أنفسهم في العقبة الثانية، ولم يفرضهم النبي صلى الله عليه وسلم مع قدرته على ذلك واستعداد القبيلتين لقبول ذلك منه. ولعل هذا هو أول مظهر من مظاهر تطبيق مبدأ الشورى في القيادة والحكومة. وقد انضم هؤلاء النقباء إلى المبعوث الذي وجهه النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة منذ بيعة العقبة الأولى؛ وهو مصعب بن عمير بن هاشم، وقد شكلوا جميعا نواة السلطة الجديدة في المدينة قبيل هجرته إليها.

    فهذا العقد الأول بمثابة عقد تأسيس للدولة الإسلامية، التي كان رئيسها الأول النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وجهت آيات الكتاب العزيز ونصوص السنة النبوية إلى ضرورة استمرار الدولة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فوفاة النبي لا تعني انتهاء رسالة الإسلام؛ لقوله تعالى: ]وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ( (144/آل عمران). "ومن المعلوم المتفق عليه أن الآية المباركة نزلت في عتاب، وتعليم المسلمين الذين شاركوا في معركة أُحُد؛ حيث انهزموا من المشركين بعد أن نادى منادي هؤلاء إن محمدا قد قتل على إثر نكسة حلت بالمسلمين في المعركة؛ بسبب مخالفة بعض الجيش لأوامر النبي e، وتخليه عن موقعه الذي أمره النبي عليه السلام أن يبقى فيه مهما كانت تطورات المعركة، فقد عبر هؤلاء بانهزامهم، بعد سماعهم النداء بقتل النبي صلى الله عليه وسلم، عن تخليهم عن مبدأ الجهاد، واستسلامهم لسلطة المشركين السياسية. وقد عبر بعضهم بصراحة عن ذلك حيث تجمع أكثر الفارين؛ وقال بعضهم: "ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي، ليأخذ لنا أمانا من أبي سفيان. يا قوم إن محمدا قد قتل؛ فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم".[3]

    "ولا شك أنهم لم يتخلوا عن الإسلام بما هو عقيدة وعبادة؛ وإنما تخلوا عن فكرة  المجتمع السياسي، والحكومة، والدولة؛ فإن هذه الفكرة هي التي فجرت الصراع بين النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين من ناحية، وقيادات المجتمع المكي وسائر المشركين من جهة أخرى. فبين الله تعالى لهم في الآية المباركة؛ أن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس إلا رسولا قد سبقه رسل ماتوا أو قتلوا واستمرت الرسالة من بعدهم فالرسالة هي الأمر الثابت الذي لا يزول ولا يتغير بموت الرسول أو قتله. والاستفهام الاستنكاري في الآية يدل على لزوم الاستمرار في النهج الذي وضعه النبي صلى الله عليه وسلم وسار عليه في حياته وقاتل وقوتل عليه وهو: تكوين المجتمع السياسي الإسلامي وإقامة الدولة والحكومة وتنفيذ أحكام الله في ذلك وهذا هو ما ظهر من مسلكهم وأقوال بعضهم بعد الهزيمة أنهم تخلوا عنه؛ ولقد سمى الله تعالى التخلي عن مبدأ الجهاد في هذه الواقعة وما يستلزمه ذلك من تخلي عن مبدأ إقامة المجتمع السياسي المتمايز ذي الرسالة التي تعبر عنها الأمة من خلال دولة وحكومة تقود ذلك المجتمع انقلابا على الأعقاب؛ أي عودة إلى ما كانوا عليه قبل الإسلام أو قبل الهجرة وتأسيس الدولة الإسلامية من التسليم لسلطان الجاهلية في المسألة السياسية الاجتماعية".[4]

    وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فإن الأمة هي المكلفة باختيار الإمام؛ بما أنها مخاطبة بإقامة الشريعة، وبموجب السلطة التي خولها لها الله سبحانه وتعالى في قوله تعالى: )وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُون( (8/المنافقون). فإذا كانت السيادة لله بحكم الخالقية؛ فهو سبحانه قد فوض رسوله في البلاغ، وفوض جماعة المؤمنين في التنفيذ؛ وهي التي تختار السلطات التي تقوم بذلك؛ لقوله تعالى: )وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ( (104/آل عمران). وسواء أكانت "من" في الآية للتبعيض بمعنى "ليقم بعضكم بذلك"؛ لأن من الأمة من لا يقدر على ذلك مثل المرضى والعاجزين، أو لأن الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشروطة بالعلم؛ فيتعين التكليف على العرفاء دون الجهلاء، أو لم تكن للتبعيض؛ بمعنى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل الأمة؛ كما في قوله تعالى: )كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُونَ( (110/آل عمران)، ولأنه لا مكلف إلا ويجب عليه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر: إما بيده، أو بلسانه، أو بقلبه؛ فإن حاصل الأمر أنه إذا قامت به طائفة وقعت الكفاية وزال التكليف. فهو واجب على سبيل الكفاية؛ فكان في حقيقته واجبا على البعض دون الكل.

    وقد استخلص الأستاذ الريس من الفروض الكفائية فكرة النيابة عن الأمة، وتكلم عنها في "نظرياته السياسية"؛ حيث يرى أنه لما كان من طبيعة الفرض الكفائي؛ أنه لا يمكن أن يقوم به كل أفراد الأمة في وقت واحد، وإلا لزم انشغال الأمة بالقيام بواجب واحد، دون بقية الفروض؛ كأن تنفر الأمة مثلا عن بكرة أبيها للجهاد؛ فمن يبقى إذن للقيام بباقي الأعمال الضرورية لحياتها. من أجل هذا كان الاكتفاء أي (الإنابة) فيما يتعلق بالتصدي لتنفيذ هذه الفروض؛ ومن هنا جاءت تسميتها بأنها كفائية؛ أي تؤدى بطريق الإنابة. ووجد في هذا التكييف الشرعي للفرض الكفائي أساسا لنظرية التمثيل الشعبي، أو الإنابة عن الأمة، أو الانتخاب العام.[5]

    ويرى الأستاذ البياتي في: "نظامه السياسي"؛ أن مبدأ الانتخاب لاختيار ممثلي الأمة؛ يجد سنده في القرآن الكريم في آيتي الشورى. وفي السنة النبوية؛ حيث ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "فليرتض المسلمون رجلا"، وكذلك قوله لأهل بيعة العقبة: "أخرجوا منكم اثنا عشر نقيبا" فجعل إليهم اختيار ممثليهم أي انتخابهم. وفي الإجماع؛ فالثابت شرعا أن الأمة لا تجتمع على ضلالة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتي على ضلالة".[6] وعلماء الأصول يعرفون الإجماع بأنه اتفاق المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر من العصور على حكم شرعي بعد وفاة النبي. والمجتهدون هم بعض الأمة، وإجماعهم لازم للأمة كلها؛ فكأنهم نابوا عن الأمة في إبداء الرأي الذي انعقد عليه الإجماع.[7]    

    إن ظاهرة السلطة ظاهرة طبيعية؛ تقتضيها طبيعة الاجتماع البشري، كما أنها جزء لا يتجزأ من الدين. ومعنى أنها جزء لا يتجزأ أنها نتيجة طبيعية وضرورية للعقيدة والشريعة. إنها تنبثق من طبيعة تكوين العقيدة؛ وهي التعبير الطبيعي عن الشريعة؛ لأن رسالة الإسلام؛ وهي الخلافة في الأرض؛ لن تتحقق دون سلطة، ودون إمامة، ودون قيادة؛ أي دون نظام سياسي.     

    "وهذه الضرورة في المجتمع هي: من وجهة نظر الإسلام في رؤيته الشاملة العميقة – التعبير البشري عن ضرورة عامة تحكم الكون كله، بما فيه عالم الحياة، والطبيعة؛ والمجتمع البشري جزء واع من عالم الحياة والطبيعة. فالكون كله محكوم بنظام ثابت وهادف، وليس ثمة عشوائية وصدفة، وليس ثمة لعب وعبث. إن هذا النظام المحكم، وهذا الهدف الحكيم؛ هما اللذان عبر الله تعالى عنهما بالحق؛ في آيات كثيرة:

)وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ( (73/الأنعام).

)أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيد( (19/إبراهيم).       

)خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون( (3/النحل).

)خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَة ً لِلْمُؤْمِنِينَ( (44/العنكبوت).

)خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ( (5/الزمر).

)خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإليهِ الْمَصِيرُ( (3/التغابن).

    "وهذا "الحق" الذي هو النظام الكوني الثابت في عالم الجماد والحياة والإنسان هادف وموافق لما تقتضيه الحكمة؛ ليس فيه لعب ولا عبث:

)وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعلين َ(17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمْ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِـفُونَ( (16–18/الأنبياء).

)وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِين َ(38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ( (38–39/الدخان).

)أَفَحَسِبْتُمْ  أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إلينَا لا تُرْجَعُونَ( (115/المؤمنون).

    "هذا النظام "الحق" الهادف الحكيم الخالي من العشوائية والعبثية واللعب؛ هو نظام السماوات والأرض وما بينهما؛ فهو نظام حاكم على الكون كله: الجماد، والحياة النباتية والحيوانية، والإنسان؛ الذي هو جزء واع من هذا الوجود الكوني، فاعل فيه ومنفعل به. ومن هنا؛ فيجب أن يكون للإنسان نظامه الحق الخاص به، المنسجم مع تكوينه الفسيولوجي والنفسي والروحي والمجتمعي في ضمن النظام الكوني العام. وأي تنافر بين وضع الإنسان، والنظام العام فإنه – بالضرورة – يؤثر تأثيرا سلبيا على وضعية الإنسان في الطبيعة والمجتمع، ويدخل الخلل والاضطراب والفساد على حياته".[8]

    ولأن هذه القضية ضرورية – ولا تخص هذه الأمة وحدها – وإنما هي عامة لكل بني البشر – فقد بين الله سبحانه وتعالى أن من مهمات الكتب السماوية: الحكم، والتشريع؛ ولذلك قال تعالى في شأن التوراة: )إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا( (44/المائدة). وقال في شأن الإنجيل: )وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ( (47/المائدة) وقال في شأن الكتاب المهيمن الخاتم: )وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ( (48/المائدة). وكما كان الحكم من مهمات الكتب السماوية، فقد كان كذلك من مهمات الرسل؛ بحكم أنهم أعلم الناس بما أنزل الله قال تعالى: )كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ( (213/البقرة) وجاء في الحديث: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم أنبياؤهم كلما هلك منهم نبي خلفه نبي"[9] قال ابن حجر في شرح الحديث: "أي أنهم كانوا إذا ظهر فيهم فساد بعث الله لهم نبيا يقيم لهم أمرهم، ويزيل ما غيروا من أحكام التوراة.[10]

    وقد سارع الصحابة رضوان الله عليهم عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيعة أبي بكر الصديق  رضي الله عنه، وبعد وفاة أبي بكر إلى بيعة عمر، وبعد عمر إلى بيعة عثمان، وبعد عثمان إلى بيعة علي، وهكذا لم تترك الناس فوضى في عصر من الأعصار، واستقر ذلك إجماعا دالا على وجوب نصب الإمام. وهذا النوع من الإجماع؛ هو ما يسميه العلماء "إجماع الأصول"؛ وهو اتفاق جميع الأمة مجتهديها وغير مجتهديها، خاصها وعامها، على العلم بما أجمعت الأمة عليه؛ لثبوته بالنص المقطوع به الذي ليس محلا للنظر، ولا يسع مسلم أن يجهله؛ كالإجماع على أركان الإسلام، والإجماع على فرضية الصلاة وأن صلاة الظهر أربع ركعات أو بصفة عامة الإجماع على ما علم من الدين بالضرورة.

    "إذا كانت الحضارة الإسلامية عرفت الفصل والتخصص في السلطات؛ فإنها فهمت التركيب النظامي للسلطة من منطلق تصوراتها الذاتية، وتقاليدها المتميزة. ودون أن ندخل في التفاصيل؛ نستطيع أن نحدد هذا التصور من منطلقين أساسيين: من حيث التفرقة بين السلطة المؤسِّسَة، والسلطات المؤسَّسَة: الأولى مطلقة أزلية دينية يقف إزاءها الفرد أيا كان موضعه موقف الخضوع والخنوع. إنها السلطة التي وضعت أصول تنظيم العلاقات الفردية والجماعية في الأمة المسلمة. أمّا عن السلطات المؤسَّسَة التي تجمعت في يد واحدة في بداية التاريخ الإسلامي، وبصفة عامة حتى نهاية عهد عمر بن الخطاب، ثم راحت تتوزع تدريجيا إزاء التطورات المتلاحقة المتعاقبة التي فرضها التغير الكمي والكيفي للمجتمع الإسلامي؛ فهي ثلاث: الأولى سلطة (الاختيار): وهي مجموعة الاختصاصات التي تتجمع في شخص الخليفة، والثانية سلطة (الإفتاء): وهي وظيفة العلماء، والثالثة وظيفة (القضاء): والتي تعني تطبيق الشريعة، كما فسرها وأصّل قواعدها واستخرج أحكامها فريق العلماء. وقد يبدو أن كلمة (الاختيار) جديدة على التقاليد الإسلامية، والتي هي في واقع الأمر تمثل اليوم عصب النظرية السياسية في تقاليدها المعاصرة: من المعلوم أن السلطة السياسية هي أساسا عملية اختيار؛ بمعنى تفضيل حل على آخر أو تقديم بديل إزاء بدائل أخرى، بما يفرضه الواقع والموقف، ولكن العودة إلى الأصول الإسلامية يفصح بصراحة عن أن الحاكم أو الخليفة إن هو إلا تعبير عن سلطة الاختيار. يقول الماوردي[11] بهذا الخصوص: "أما أهل الاختيار فالشروط المعتبرة فيهم ثلاثة: العدالة الجامعة، العلم الذي يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة، الرأي والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو للإمامة أصلح". أهل الاختيار بعبارة أخرى هم أولئك الذين يقولون كلمتهم فيما يتعلق بتنصيب الإمام أي الخليفة. ويضيف العالم الماوردي: "الإمامة تنعقد من وجهين أحدهما باختيار أهل الحل والعقد، والثاني بعهد الإمام".

    "وهكذا مفهوم الاختيار – جوهر التعامل السياسي – هو أحد العناصر الأساسية في التصور الإسلامي للسلطة. إن سلطة الاختيار تصير بهذا المعنى مصدرا للخلافة من جانب، ومن جانب آخر المحور الذي تتمركز حوله اختصاصات الخليفة، عقب أن يكتسب الشرعية ويصير من حقه أن يتولى عملية القيادة. هذه الحقيقة تفسر أيضا من ناحية أخرى والتي ينبع منها المبدأ الثاني الذي سيطر على العلاقة بين السلطة الحاكمة والطبقات المحكومة. هذا المبدأ هو أيضا الذي يفسر كيف أن تقريب النظام الإسلامي من الكليات الغربية ووصفه بأنه نظام أوتوقراطي أو نظام غير نيابي؛ إنما يعكس عدم قدرة على فهم طبيعة وجوهر النموذج الإسلامي للممارسة السياسية؛ فالنظام الإسلامي يقوم على مبدأ التوازن؛ إنه يجعل من  الاعتدال والتوفيق والمهادنة فلسفة للتعامل، ولكنه أيضا يجعل من فكرة التوازن بين القوى والاختصاصات محورا لهيكله الحكومي؛ فإذا كان الخليفة هو السلطة العليا، فإلى جواره ويقف منه موقف الرقابة والمحاسبة: من جانب العلماء، ومن جانب سلطة القضاء – هذا التوازن هو وحده الذي يفسر نجاح النظام الإداري الإسلامي، ويفسر أيضا كيف أن اختفاءه كان علامة من علامات الانتقال إلى مرحلة التدهور والانحطاط التي عاشتها الخبرة الإسلامية بصفة خاصة منذ منتصف العصر العباسي الأول.

    "ومن هنا نستطيع أن نلحظ مجموعة من الخصائص والمميزات التي تسمح لنا بفهم هذا الإطار العام للتعامل السياسي وهي جميعها تدور حول عنصرين أساسيين:

"1 – الأول: ما يجب أن نلاحظه هو كيف أن مفهوم الشرعية واحد وغير متعدد؛ بمعنى أن الشرعية السياسية تختلط بالشرعية القانونية، وكلاهما تنصهر في الشرعية الدينية؛ بحيث تصير جميعها حقيقة واحدة. فمن المعلوم أن الشرعية السياسية؛ يقصد بها تأسيس الحركة من منطلق الوعي الجماعي؛ على عكس الشرعية القانونية التي تجد مستندها في نص قانوني صريح. المجتمع الإسلامي لم يعرف هذا المفهوم؛ لأن جميع مصادر الشرعية؛ إنما تستمد أصولها من القواعد المنزلة؛ فإذا بها سياسية وقانونية ودينية في آن واحد. ولا موضع للحديث عن نص قانوني لأن المجتمع الإسلامي لم يعرف النصوص القانونية بمعنى الإرادة التشريعية المعلنة في شكل مجموعة من الطقوس تتم من خلال عمليات متتابعة من الإجراءات أساسها وجود مجلس نيابي، من حقه أن يفعل كل شيء كما يقول علماء القانون الدستوري الإنجليزي سوى تحويل الرجل إلى امرأة أو العكس.

"2 – والثاني: أن محور التطور السياسي هو الأمة؛ أي الجماعة المنظمة؛ حيث يسيطر مبدأ الإخاء والتضامن. كلمة دولة لم تعرفها التقاليد الإسلامية الأولى: إن محور الخطاب السياسي هو الجماعة هم أولئك الذين: "في تعاطفهم وتراحمهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا".[12] الإقليم لا موضع له في التصور الإسلامي للجماعة السياسية. السلطة بهذا المعنى هي القوة المنظِمة لحياة الأمة التي تسعى أساسا لتحقيق الوحدة لتلك الأمة. سوف نرى - فيما بعد – كيف أن الأمة الإسلامية ووظيفتها نشر الدعوة؛ والخلافة أو السلطة تصير بهذا المعنى أداة تحقيق تلك الوظيفة الحضارية، ولكن الذي يعنينا أن نتذكره هو أن السلطة ليس لها من مبرر، وأن الطاعة ليس لها من إلزام؛ سوى تحقيق تلك الوظيفة الحضارية. يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "سيليكم بعدي ولاة: فيليكم البر ببره، ويليكم الفاجر بفجوره؛ فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق، وصلوا وراءهم؛ فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساؤا فلكم وعليهم"[13] ودلالة هذا النص واضحة في التعبير عن مفاهيم ثلاثة: أن الحاكم ليس لمجرد كونه حاكما لابد أن يكون صالحا. وأن محور الطاعة هو تطابق بين سلوك الحاكم وإطار الشرعية. وأن خطأ الحاكم لا يتحمله الشعب ولا تحتمل وزره الجماعة".[14]

     وأما عن كيفية إقامة حكم إسلامي بديل عن الأوضاع القائمة؛ فإننا نرى أن الحرية السياسية هي البديل الملائم والأوفق بالأدلة الشرعية وهذه المسألة تحتاج إلى شيء من الشرح.

    إن الأوضاع الراهنة في غالبية البلاد الإسلامية هي نتيجة السيطرة الأجنبية على العالم الإسلامي والحكومات الأجنبية المحتلة لبلادنا قد استبعدت الشريعة الإسلامية وحاربتها وانتهبت أموال الأوقاف وأهم من ذلك كله أنها زرعت نخبا تدين لها بالولاء وتعبر عن قيمها وأفكارها وفلسفتها، ثم لما انتهى الاحتلال الأجنبي المباشر وحصلت بلادنا على استقلالها السياسي عملت على تمكين هذه النخب التي صنعتها من سدة الحكم رغم أنف الشعوب، وبالرغم من أن هذه الدول الأجنبية ترفع شعارات الحرية والإنسانية وحقوق الإنسان؛ فإنها تحالفت مع تلك الأنظمة المستبدة وظهرت مواقفها واضحة على مسرح الأحداث: الانقلاب على الإرادة الشعبية كما ظهرت في الانتخابات الجزائرية- وغيرها. إذن نحن أمام مشكلة مزدوجة: النخب الحاكمة لا فقط نخب لادينية؛[15] بل هي أيضا نخب مُصَنعة في الخارج وفوق هذا كله فهي نخب استبدادية إذ لم تصل إلى السلطة عن طريق الشورى، ومن ثم فلا يمكن أن تبقى في ظل شورى حقيقية؛ ولكن مآلها بحكم تطور المجتمع من جهة، وبحكم توالي إخفاقاتها داخليا وخارجيا من جهة أخرى إلى الاختفاء خاصة وأنها تعتمد في بقائها على المساندة الأجنبية وحدها. ودون الدخول في التفاصيل يكفي أن نُذَكِر القارئ بهذه القاعدة الذهبية من قواعد علم السياسة: "لكل شعب نظام الحكم الذي يستحقه" مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كما تكونوا يولى عليكم ".[16]     

 

    وأما ارتباط ذلك بمبدأ الشورى فواضح؛ فإن مقتضى ما تقدم بيانه وما ذكرناه من الأدلة هو وجوب العمل على إقامة حكم إسلامي. وهذا الأمر الإلهي تجده واضحا في مثل قوله تعالى: )وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ( (104/آل عمران).  

    إن على المسلمين بمقتضى إيمانهم بالإسلام عقيدة وشريعة أن يمتثلوا وينفذوا الخطابات الإلهية العامة الموجهة إليهم باعتبارهم أمة وجماعة، ولا يمكن ذلك إلا بإقامة الحكومة الإسلامية فتجب إقامتها. بل إن إقامتها واجب برأسه مستقل بذاته وليس من قبيل الواجب لغيره لما تقدم بيانه من أن امتثال وتطبيق الأحكام العامة من جهاد وقضاء وإقامة حدود وجباية وصرف الأموال العامة هو في ذاته إقامة للحكومة الإسلامية؛ وليست السلطة والحكومة شيئا آخر وراء هذا إلا في بعض الشكليات التي لا علاقة لها بجوهر السلطة.

    إن الموقف الفقهي السني يقتضي البناء على أحد الفروض الفقهية الكلامية في تعيين الحاكم الإسلامي في الدولة الإسلامية، وإذا استبعدنا الاستيلاء على الحكم بالتغلب والقوة أو الوراثة؛ فإن أسلوب تعيين الحاكم الإسلامي ينحصر في اعتماد مبدأ الشورى بإحدى صيغتيه وهما:

o      ما اصطلحنا عليه بالشورى العامة وهي ما يعرف الآن بالانتخاب العام.

o      الشورى الخاصة وهي ما اصطلح عليه الفقهاء بشورى أهل الحل والعقد.

    فعلى أساس أحد هذين المبنيين الفقهيين في مسألة الشورى يمكن للمسلمين أن ينتخبوا حاكما ويشكلوا حكومة إسلامية. ويمكن الجمع بين هذين الفرضين بأن تكون شورى أهل الحل والعقد بمثابة ترشيح، والشورى العامة بمثابة انتخاب. والحاكم  المنتخب بهذه الطريقة حاكم شرعي أصيل – إذا كان جامعا للشرائط المعتبرة بحكم الولاية المعطاة له من الأمة.

    إن هذه الأمة متمسكة بإسلامها، ولو تركت لاختيارها الحر لاختارت الإسلام، ولذلك فلا نرى بأسا من اعتماد مبدأ الانتخاب لتأسيس السلطة الإسلامية، حين تسمح الظروف بذلك، وفي حالة ضماننا لوجود انتخابات نزيهة، فإننا نحبذ مشاركة الإسلاميين فيها ونراها وسيلة شرعية بناء على الأدلة التي قدمناها، وبالله التوفيق.

 

 

 

 

 

   



[1] نص البيعة في كتب السيرة والتاريخ مع اختلاف في ألفاظ يسيرة – انظر على سبيل المثال: سيرة ابن هشام، تاريخ الطبري، وكذلك محمد حميد الله: مجموعة الوثائق السياسية لعصر النبوة والخلافة الراشدة – دار النفائس – بيروت.

 [2] لؤي صافي – العقيدة والسياسة – المعهد العالمي للفكر الإسلامي – فرجينيا – الولايات المتحدة الأمريكية – 1416 هجرية – ص 100.

 [3] محمد بن جرير الطبري – تاريخ الرسل والأمم والملوك – دار الفكر – بيروت – 1399 هـ – ج 3 ص 720.

 [4] محمد مهدي شمس الدين – في الاجتماع السياسي الإسلامي –  المؤسسة الدولية للدراسات والنشر – بيروت – 1412هـ – ص  187/189.

 [5] محمد ضياء الدين الريس – النظريات السياسية الإسلامية – الأنجلو المصرية – القاهرة – 1960 – ص 177.

[6] روى الترمذي في سننه: "2093 حدثنا أبو بكر بن نافع البصري حدثني المعتمر بن سليمان حدثنا سليمان المدني عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى اللهم عليه وسلم قال إن الله لا يجمع أمتي أو قال أمة محمد صلى اللهم عليه وسلم على ضلالة ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ إلى النار قال أبو عيسى هذا حديث غريب من هذا الوجه وسليمان المدني هو عندي سليمان بن سفيان وقد روى عنه أبو داود الطيالسي وأبو عامر العقدي وغير واحد من أهل العلم قال أبو عيسى وتفسير الجماعة عند أهل العلم هم أهل الفقه والعلم والحديث قال و سمعت الجارود بن معاذ يقول سمعت علي بن الحسن يقول سألت عبد الله بن المبارك من الجماعة فقال أبو بكر وعمر قيل له قد مات أبو بكر وعمر قال فلان وفلان قيل له قد مات فلان وفلان فقال عبد الله بن المبارك وأبو حمزة السكري جماعة قال أبو عيسى وأبو حمزة هو محمد بن ميمون وكان شيخا صالحا وإنما قال هذا في حياته عندنا". وروى أبو داود: "3711 حدثنا محمد بن عوف الطائي حدثنا محمد بن إسماعيل حدثني أبي قال ابن عوف وقرأت في أصل إسماعيل قال حدثني ضمضم عن شريح عن أبي مالك يعني الأشعري قال قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم إن الله أجاركم من ثلاث خلال أن لا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعا وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق وأن لا تجتمعوا على ضلالة". وروى ابن ماجه: "3940 حدثنا العباس بن عثمان الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا معان بن رفاعة السلامي حدثني أبو خلف الأعمى قال سمعت أنس بن مالك يقول سمعت رسول الله صلى اللهم عليه وسلم يقول إن أمتي لا تجتمع على ضلالة فإذا رأيتم اختلافا فعليكم بالسواد الأعظم".

 [7] منير حميد البياتي – النظام السياسي الإسلامي مقارنا بالدولة القانونية – دار البشير – عمان – الأردن -   1414 هـ - ص 173/178.

 [8] محمد مهدي شمس الدين –  في الاجتماع السياسي الإسلامي – المرجع السابق – ص 69/72.

 [9]البخاري، ومسلم من حديث أبي هريرة.

[10]  ابن حجر (المتوفى 852 هـ) أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني – فتح الباري بشرح صحيح البخاري – ج 6 – ص 497.

[11]  القاضي أبو الحسن محمد بن حبيب البصري الكاوردي الشافعي المتوفى 450هـ.

[12] الشيخان.

[13] الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة، وفيه عبد الله بن محمد بن يحيي بن عروة ضعيف،  وفي معناه ما أخرجه مسلم عن أم سلمة: "ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع قالوا أفلا نقاتلهم قال لا ما صلوا"، وفي معناه أيضا ما أخرجه ابن ماجه، والحاكم من حديث سهل بن سعد: "الإمام ضامن فإن أحسن فله ولهم وإن أساء فعليه ولا عليهم".  

 [14] حامد ربيع – حاشية على كتاب: "سلوك المالك في تدبير الممالك" لشهاب الدين بن أبي الربيع – دار الشعب – القاهرة – 1400 هـ -  ص 140/149.

[15]  نفضل هذه الكلمة كبديل لكلمة علمانية؛ لأنها أكثر دقة في التعبير عن المعنى من العلمانية التي ظهرت في البداية بكلمة عالمانية يعني مختص بهذا العالم ولا شأن له بالعالم الآخر، ثم حرفت إلى علمانية وهي كلمة مموهة قد توهم بأنها أكثر التصاقا بالعلم وبأن الدولة الدينية معادية للعلم.

[16]  أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس مرفوعا، والبيهقي في شعب الإيمان مرسلا، والسلفي في الطيوريات.