أمريكا شطبت لجنة التحقيق الدولية

 

 

 

بقلم :منير شفيق

 

قبل ان يتسلم سيرج برامرتس الرئيس الجديد للجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري مهامه استبقته الادارة الامريكية بموقفين هبطا بالأهمية التي اعطيت للجنة التحقيق في المرحلة السابقة في عهد ديتليف ميليس.

 

صحيح ان لجنة التحقيق برئاسة ديتليف ميليس تخبطت وفقدت صدقيتها ودخلت في الزجاج كما يقولون، وكان عنوان ذلك استقالة ميليس، أو في الأدق سحب ألمانيا له بعد ان أصبح دوره سلبياً على مصالحها، اما ادعاؤه ان استقالته لاسباب عائلية فليس له من نصيب من الصحة أمام أي تحليل جاء للحدث.

 

وصحيح ان المرحلة السابقة التي اعطيت فيها أهمية مركزية للجنة التحقيق كأداة ضاغطة على القيادة السورية لـ«تغيير سلوكها» وفقاً للشروط الامريكية قد انتهت لأسباب تتعدى فقدان لجنة التحقيق لصدقيتها وحتى لمهنيتها، فان ذلك ما كان يمنع ان يعاد تلميعها ووضعها في موقع الصدارة مع تغيير رئاستها من ميليس الى برامرتس لو استمرت الظروف التي سادت المرحلة السابقة حتى الآن.

 

باختصار، اظهرت التطورات التي تلت خطاب الرئيس السوري بشار الاسد، منذ شهرين تقريباً في مدرج الجامعة السورية ان الدور الذي أنيط بلجنة التحقيق لتلعبه في تغيير سلوك سورية قد انتهى أو فشل. والاهم ما حملته تلك التطورات من دخول ايران على الخط، كما عبرت عن ذلك تصريحات الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد قائلة للأمريكان ما معناه: «لن ننتظركم حتى تنتهوا من سورية فلبنان لتأتوا إلينا، فها نحن أولاء جئنا للمواجهة منذ الآن».

 

وبالفعل ارتفع موضوع البرنامج النووي الايراني الى رأس الاجندة بعد ان كان مؤجلاً. مما اقتضى ان تواجه أمريكا جبهات ثلاث في آن واحد هي سوريا ولبنان وايران فضلاً عن جبهة العراق «المفتوحة والتي لم تعد إدارة بوش تعرف كيف تتصرف فيها ومع من تتحالف».

 

وعوداً الى الموقفين الامريكيين اللذين اعتبرا هبوطا بأهمية لجنة التحقيق قبل ان يتسلم برامرتس مهامه، وهما اعلان وزارة الخزانة الامريكية تجميد أموال رئيس الاستخبارات العسكرية في سورية اللواء آصف شوكت. مما يعني بدء فرض العقوبات ضد سورية بلا انتظار لنتائج التحقيق كما كان الحال في المرحلة السابقة.

 

أما الموقف الثاني فكان تقديم مشروع بيان رئاسي أريد منه ان يصدر باسم مجلس الأمن يشجع الحكومة اللبنانية على المضي بتنفيذ القرار 1559 فيما يتعلق بأسلحة المقاومة والفلسطينيين. بما يعني قراراً أمريكياً (شاركت معها فيه فرنسا) بفتح ملف أسلحة حزب الله بعد ان كان الموقف في المرحلة السابقة تأجيلاً له وتركه للحوار اللبناني - اللبناني، وبالتحديد لما بعد صدور نتائج التحقيق والانتهاء من الملف السوري من خلال تغيير السلوك اياه. وهذا يعني تخطياً للجنة التحقيق بعد ان كانت في مركز الاهتمام الدولي، بل يعني ايضاً احراجاً لمهنيتها وتسييسها.

 

بكلمة، بدأت الخطوات من جانب ادارة بوش تتراجع في مواجهة تطورات المرحلة الجديدة، على الجبهات الثلاث سورية ولبنان وايران في آن واحد. وفي المقابل كانت ايران وسورية قد انطلقتا باتخاذ خطوات استباقية كان آخرها لقاء قمة الاسد - نجاد في دمشق مع نهاية >الاسبوع الماضي.

 

فهذه التطورات المستجدة على جانبي جبهة الصراع اخذت تؤدي الى دخول المنطقة في مستويات اعلى من الصراعات والمواجهات: ضربات متقابلة ومتسابقة من الجبهتين (اذا جاز التعبير). ومن ثم ينتظر ان تنضم في الاسابيع القادمة قوى جديدة الى كل منهما. الامر الذي يسمح بالقول ان ما شهدته المرحلة السابقة قبيل العدوان على العراق وبعده مجرد «مزاح» قياساً بما هو آت.