وطن على شفا الهاوية.." أوجاع
مصرية "
بقلم :د. أحمد دراج
darrag11@hotmail.com
أخيرا بدأت أجساد الأحزاب المصرية جميعها في الانشطار والتحلل والتلاشي بعد
أن طفت الأنانية وعبادة الذات على سطح الأحداث، بداية من حزب الرئيس المتهالك،
ومرورا بالوفد والتجمع وقد يلحق بهما الناصري وهلم جرا،
لقد راحت تلك الأحزاب في نشوة الغيبوبة تمني نفسها بمقعد نيابي تآكلت قوائم شرعيته
وشرعية نظام بكامله، وخرج المتربصون من ثنايا اللوائح الحزبية المضللة يدمرون ما
تبقي في تلك الأحزاب تحت سياط الفردية والرغبة في الصراع ودق الأسافين وممالأة
سلطة متكلسة.
لذلك لابد من الاعتراف بالذكاء
الفطري للشعب المصري في اختياره فرس الرهان المقبل ممثلا في كتلة الإخوان المسلمون
( وليس بالتصويت الاحتجاجي كما يروج المغرضون)، لأنهم الفريق الوحيد الذي لم تتلطخ
يده بالفساد الروحي والأخلاقي من ناحية، ولأنهم حافظوا على العلاقات الاجتماعية
بين مكونات الجماعة بعيدا الملوثات الاجتماعية والمتفجرات الأمنية التي دخلت في
مكونات البني الاجتماعية والشعبية الأخرى.
ورغم ما عانته جماعة الإخوان
المسلمون- وما زالت وستظل- من حصار ومطاردة واعتقال وتصفية إلا أن مكوناتها ظلت
أنقي وأطهر، ولم تغلب عليها النزعة الفردية الصرف التي سادت جميع طبقات المجتمع
المصري، ولا يعني هذا أن الجماعة منزهة عن الخطإ،
فجماعة الإخوان المسلمون بحاجة دائمة لمراجعة النفس وتقويم الخطي من منظور إسلامي
وفي سياق اجتماعي حي ومتحضر، وأري أن من أهم فوائد انعزال الجماعة في الفترة
الماضية الاحتفاظ بخصوصية الهوية واستعصائها على عمليات التهجين التي أجرتها نظم
الحكم السابقة والحالية( بصفة خاصة )على مكونات المجتمع المصري.
وأفضل- في الوقت الراهن وإلى أن تتحرر إرادة الشعب كله- ألا يخضع الإخوان
المسلمون لابتزاز السلطة وزبانيتها في وسائل الإعلام ومعظم الأحزاب التي خرجت من
رحم التواطؤ حتى لا يقع الإخوان في مرمي نيران التفتيت، والتشرذم أو تحت مطرقة
اتهامات صنعت خصيصا لتفكيك شبكة العلاقات الاجتماعية المتماسكة، وتسريب الفساد
الروحي والأخلاقي لبنائهم التنظيمي المحكم.
وعلى كل عاقل في هذا البلد أن يفكر فيما وصلنا إليه من تدهور على كل
المستويات، ويربط بينه وبين أسباب سقوط الدول والمجتمعات التي ذكرها مالك بن نبي وأرنولد توينبي، والتي يمكن
إيجازها في عوامل ثلاثة هي :
1- ضعف العلاقات الاجتماعية
2- الفساد
الروحي والأخلاقي
3- قابلة الاستحمار
أو الاستعمار
لا أظن أن عاقلا كائنا من كان لا يلحظ توفر العوامل الثلاثة في البناء
الاجتماعي المصري ( باستثناء محدود )،
فالعلاقات الاجتماعية بين مكوني المجتمع المصري من مسلمين وأقباط تعاني من انهيار
متواصل يتقدم بخطي ثابتة نحو الهاوية من الكشح إلى الإسكندرية إلى العديسات، وليس هذا فحسب، بل ويتمدد هذا التوتر الاجتماعي في
جسد الفريق الواحد والحزب الواحد وبين الجيران، والدليل على ذلك تفشي حالة
اللامبالاة التي يقابل بها غالبية المجتمع أي تحرك في
اتجاه التماسك والترابط لانتزاع حقوقهم المسلوبة، وما استئجار البلطجية
والمشبوهين لردع المتظاهرين والناخبين إلا دليلا آخر على تفكك العلاقات الاجتماعية
لنسيج الشعب الواحد .
أما انطلاق وانتشار الفساد الروحي والأخلاقي ومحاكاة الغريزة للتحرر من
الدين فتظهر بوضوح في الانحلال والتفكك الذي يراه الأعمى ويسمعه الأصم في تشجيع
المؤسسات الحكومية للانحراف الخلقي عبر وسائل بعضها تعليمي وبعضها الآخر إعلامي،
فالرشوة والمحسوبية وانعدام الضمير في كل مكان وصار لها أسماء ومصطلحات جذابة يسيل
لها لعاب ضعاف النفوس في مجتمع فقد فيه القانون هيبته، ويعتدى
عليه كل صباح وعقب كل صلاة، ونظام الحكم المصري هو أول المعتدين علي القانون
والشرعية، فكيف بالمنتفعين والمحتكرين واللصوص ؟
لم يتبق بعد توفر العاملين الأول والثاني سوى العامل الثالث، وهو القابلية للاستحمار( أو الاستعمار)، وهي ثقافة تكاد تسود في نسقنا
الاجتماعي. أليست السلبية والاستسلام والخضوع والاستسهال من مكوناتنا
الثقافية ؟، ألا تلعب أجهزة الثقافة والإعلام الحكومي دورا تدميريا
في ابتداع سبل ترويج قيم التخاذل والتسطيح وتثبيتها في المجتمع المصري ؟
هذه عوامل الانهيار تبدو على مرمي القدم والقلم، ولم يتبق سوي توجيه ضربة
قاصمة لمجتمع سلم مقوده للاستبداد، وسيكون الاستعمار هو البديل الوحيد لمن رضي بالاستحمار.
" إن أقصى ما يفعله الغزو الخارجي هو توجيه ضربة قاضية إلى مجتمع يلفظ
أنفاسه الأخيرة" ( أرنولد توينبي:
مختصر دراسة التاريخ 132 )
لذا فإن الدور الجماعي للإخوان المسلمون والقوي الأخلاقية الواعية في
المجتمع المصري" كفاية والعمل والكرامة و9 مارس وغيرهم، هو التركيز على بؤر الحيوية
والديناميكية في المجتمع وتفعيلها روحيا وأخلاقيا لتحييد الفعل الغريزي في المجتمع
المصري أملا في استنهاض الأمة وعودة الروح، بدعم ثقافة المقاومة في وطن أوشك على
السقوط أو يكاد.