"إسرائيل" ومأزقها الجديد مع "حماس" في التشريعي
بقلم :د. أسامة الأشقر
مع فوز "حماس" الكبير في الانتخابات
التشريعية فإن السؤال الأكثر إلحاحاً في ذهن الناس هو كيفية تعامل هذه الحركة مع
السلطة المحتلة "إسرائيل" ورؤيتها للتفاوض معها، وموقفها من عملية التسوية.
في البداية لابد لنا أن نوضح أن "إسرائيل"
صرحت مراراً أنه لا يوجد شريك فلسطيني، وأن السلطة ضعيفة متهاوية، وهذا الموقف ليس
جديداً فقد مارسته مع رئيس السلطة الراحل ياسر عرفات وحاصرته سنوات في مقر
المقاطعة.
ولابد أن نوضح أنه ليس هناك عملية سلام جارية
وإنما نفاق سياسي يتحدث عن السلام والحوار والتفاوض بينما الذي يجري هو الاعتداء
الإسرائيلي والانهيار السياسي والأمني الفلسطيني الرسمي.
كما لا توجد حكومة إسرائيلية تود السلام حقاً،
أو هي مستعدة لتنفيذ مقررات ما يسمى الشرعية الدولية وتطبيق القرارات الدولية.
حماس تصل إلى هذا المسرح السياسي وجميع منافذ
التسوية مسدودة أصلاً، بسبب سياسة إسرائيلية مدعومة أمريكياً.
وعلى هذا فلا يجوز
التباكي على عملية السلام أو أن حماس قادمة لتقضي على السلام المزعوم، وتحوّل
المنطقة إلى أرض محترقة لاهبة، ولا يزال رئيس السلطة
الفلسطينية الذي بدأ ولاية قانونية جديدة مع بداية ولاية المجلس التشريعي الجديد
شاهداً على هذا السلام المقتول .
ومع ذلك فإن حماس لا
تشعر بالحرج من وصولها إلى هذا المنعطف التاريخي الكبير بل تعتبر ذلك حقاً من
حقوقها وهي التي ظلت تعمل منذ عقود طويلة أثناء وجودها في الإطار الدعوي والنقابي
من خلال الحركة الإسلامية ثم انفتاحها السياسي والعسكري والأمني من خلال منظومة "حماس"
الجديدة.
"حماس" التي
تمتلك مشروعاً تغييرياً ناضجاً كشفت عنه بوضوح لا ترى
أنها بحاجة للتعاطي مع "إسرائيل" سياسياً لاسيما أنه ليس ثمة أفق سياسي
يمكن التعاطي من خلاله، ولذلك فإن أولويات "حماس" ستتجه نحو البناء
الفلسطيني الداخلي لتأسيس مؤسسات فلسطينية سياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية
حقيقية تعتمد معايير الكفاءة والعدالة وتتجنب الحزبية والعنصرية والانتقائية
والشللية التي عصفت بحياتنا الفلسطينية وقضت على الفرص الكريمة للعيش.
كما أن أولويات حماس
ستتجه نحو التوافق الوطني على المشروع السياسي الذي يحمل المقاومة كمشروع فلسطيني
تحرري وطني من خلال إعادة الحياة لمنظمة التحرير الفلسطينية على أسس وطنية جديدة
على قاعدة الشراكة لا المحاصصة الحزبية.
كما أن الرؤية لدى
حماس لا تقتصر على الداخل الفلسطيني فإن المشروع الكبير لحماس يستوعب غالبية الشعب
الفلسطيني في مناطق اللجوء والشتات، ومشروع التحرير الكبير لا يمكن أن يتجاوز ستة
ملايين لاجئ فلسطيني حملوا الثورة الفلسطينية سنوات طويلة ولا يزالون ينتمون إلى
فلسطين ويحلمون بالعودة إليها، ولا يمكن لحماس أن تحرم نفسها من استثمار هذا
الرصيد الضخم من شعبنا.
كما أن المشروع
الوطني لحماس سيسعى لترميم العلاقات الفلسطينية العربية والإسلامية لتعود فلسطين
محل الاهتمام الأول للأمة العربية والإسلامية، وإعادة التواصل مع هذه الأمة لتكون
هي الداعم الحقيقي لصمود شعبنا وجهاده ومقاومته ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتستغني
فلسطين عن الابتزازات الأجنبية بالمساعدات والتبرعات
المشروطة والتي كانت على الدوام في خدمة المحتل الإسرائيلي وسياساته واستراتيجياته.
إن "إسرائيل"
هي الخاسر الأكبر من هذه الانتخابات، ومواقفها المتكبرة المتعالية كعادة المحتلين
الغاصبين من أنها لن تتعامل مع حماس ولن تعترف بها هي
من قبيل التغطية على ارتباكها وحيرتها وضعفها وعجزها عن وصول مشروع المقاومة إلى
السلطة التشريعية الممثِّلة لأهلنا في الداخل، والممثلة لحلم شعبنا في العودة
والتحرير، ولا ريب أن "إسرائيل" ستعمل بجهد حثيث في حقيقة الأمر على دفع
"حماس" للتحاور معها دون أن تبدو "إسرائيل" أنها محتاجة إلى ذلك، من خلال محاصرة الواقع الفلسطيني في الضفة
والقطاع وإلجاء المسؤولين عنه إلى الطلب من إسرائيل أن
تعمل على تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني، ولكن هؤلاء قد يفوتهم أن أسلوب حماس يختلف
كثيراً عن أسلوب السلطة الماضية التي كانت تعتمد الضغوط الأجنبية لنيل بعض المكاسب
المحدودة من "إسرائيل" مقابل تنازلات هائلة من السلطة الفلسطينية؛ فحماس
لا تشعر بالحاجة إلى إسرائيل ولا ترى في التعاطي السياسي معها أي فائدة، وترى أن
أضرار الحوار تتجاوز بكثير مصالح هذا الحوار الذي يشبه حوار الطرشان.
لكن الاشتباك بين
حماس و"إسرائيل" يظل وارداً لاسيما أن حماس تؤكد التزامها بمشروع
المقاومة، لكن فتح إسرائيل المعركة على حماس سيجعل منها سلطة معتدية على ممثلي
الشعب الفلسطيني في الداخل، وسيكون لهذا الأمر ما بعده وسينقل الصراع إلى مراتب
جديدة لاسيما أن السلطة التشريعية "أي المرجعية السياسية" للشعب
الفلسطيني في الداخل هي ممثلة هذا التوجه وراعيته.